مقدمة عن نشأة العملات الورقية:
فى بداية المعاملات التجارية للانسان كان نظام الدفع يتم عن طريق
المقايضة، ثم تتطور إلى أستخدام الذهب، ثم ظهرت النقود الورقية فى فترة ما فى
القرون الوسطى وهناك خلاف على من هو أول من إستعملها هل هم الصينيون أم فرسان
المعبد، ولكن الأكيد هو أنه كانت هناك جهة قامت بإنشاء مكان أمن تسمح للناس بوضح
عملاتهم الذهبية فيه وفى المقابل تعطيهم ورقة تثبت أن لديهم كمية معينة من الذهب بحوزة
تلك الجهة، وعندما انتشرت الفكرة بدء الناس يتعاملون فيما بينهم بتلك الأوراق عوضا
عن الذهب، فظهرت الأوراق المالية، وكانت العملة الورقية فى البداية تستمد قيمتها
من أنها تساوى مقدار معين من الذهب، ولا يتم طباعة العملات الورقية إلا عندما يكون
هناك كمية تقابلها من الذهب فيما يعرف ب"معيار الذهب" حتى الحرب
العالمية الثانية، فلقد قامت الدول بإستنزاف أموالها ومواردها فى الحرب وأصبحت
تحتاج إلى أموال لإقامة الإصلاحات ولكن ليس لديها ما يكفى من الذهب لطباعة الأموال،
ولكن الولايات المتحدة الأمريكية كان لديها أكبر إحتياطى ذهب وكانت تستطيع أن تقوم
بطباعة العديد من الدولارات، فتم توقيع إتفاقية "بريتون وودز" وهى تنص
على أن كل الدول الموقعة على الإتفاقية سوف تقوم بربط عملتها المحلية بالدولار
وتستخدم الدولار فى المعاملات الدولية، وأستمر الوضع هكذا حتى عام "1971"
حين قام الرئيس الأمريكى "ريتشارد نيكسون" بالإعلان عن إلغاء معيار
الذهب وفصل الدولار عن الذهب وهكذا إنتهى معيار الذهب، وأصبحت العملات الورقية
لديها قيمة إفتراضي، يتم تحديد تلك القيمة وفقا للسلع والبضائع التى يمكنك شرائها
بكمية معينة من تلك العملة أو تقوم الدولة بتحديدها طبقا لإنتاج الدولة وعوامل
وحسابات أخرى، وأصبحت الدول بمقدورها الطبع بحرية دون معيار محدد.
فى عام "2009" وبعد عام من الازمة العالمية وإنهيار البورصة
الأمريكية قام شخص مجهول الهوية سمى نفسه "ساتوشى ناكاموتو"
بنشر ورقة بحثية تحدث فيها عن أن من أسباب الأزمة العالمية سنة"2008" هى
عدم وجود شفافية، وصعوبة الحصول على المعلومات المتعلقة بالعمليات المالية
المختلفة، وقال أن حل هذه المشكلة فى نظام قام بإختراعه وأسماه"block chain" وهو عبارة عن شبكة كبيرة متصل عليها مئات وألاف أجهزة الكمبيوتر، وأن
كل عملية مالية تتم سواء عملية شراء أو بيع أو تحويل أموال لحساب شخص أخر تتم
نسخها وتسجيلها على تلك الأجهزة الموجودة على الشبكة (يتم
تسجيلها دون تسجيل أطراف العملية حيث يبقى اطراف العملية مجهولين ويرمز إليهم
بأرقام)، وتكون تلك المعلومات متاحة لأى شخص، ويمكنه الحصول عليها بمنتهى
السهولة والسرعة، وعند القيام بأى عملية يقوم النظام بالتحقق من صلاحية العملية،
مما يجعل عمليات النصب والاحتيال مستحيلة تقريبا، فمثلا لا يمكن لشخص يمتلك منزل
أن يقوم بعقد صفقة بيع ويستلم المبلغ ثم يأخذ المال وينفى أنه باع ذلك المنزل ثم
يقوم بتكرار تلك العملية ويقوم ببيعه مرة أخرى وهكذا، والشخص الذى يريد أن يقوم بهاذا فى النظام العادى كل
ما علية فعله هو أن يقوم بعد إستلام النقود أن يقوم بإتلاف أو تزويرالعقود والسجلات
الخاصة بالعملية، لكن فى نظام "block chain" هذا مستحيل لأن العملية سجلت على ألاف أجهزة الاكمبيوترالمختلفة لذا
فهناك دليل لا يمكن إخفائة أنه قام ببيع المنزل وإتمام العملية، وللتزوير عليه
إختراق كل أجهزة الكمبيوتر تلك فى نفس الوقت و القيام بمسح تلك السجلات أو إتلافها
وهذا مستحيل لأنه لا يوجد جهاز لديه القوةالكافية للقيام بإختراق كل تلك الأجهزة
فى وقت واحد، وقام"ساتوشى ناكاموتو" بإختراع عملة رقمية للتعامل بها على هذا
النظام وهى البتكوين وهى لم تكن أول عملة رقمية حيث تم صنع العديد من العملات الرقمية قبل ذلك ولكن جميعها كان فيها مشكلة وهى أنه إذا
قام شخص بشراء العملة فكان بمقدوره بمنتهى البساطة أن يقوم بنسخ العملة وتزويرها
وأن يستعمل العملات المزورة دون أن يدرى أحد، لكن البتكوين
مختلفة ف"ساتوشى ناكاموتو" قام بعمل رقم تسلسلى مشفر ومختلف لكل بتكوين وعندما يقوم شخص ما بنسخ وتزوير بتكوين فإنه لا يكون بإستطاعته التعامل بها لأن هناك
بتكوين واحدة فقط تحمل نفس الرقم وهى مسجلة
على "block chain" بالفعل وإذا حاول التعامل بتلك العملة المزورة سوف يكشفه النظام فورا،
والرقم التسلسلى الخاص بكل بتكوين يتم كتابته
وفق معادلات وخوارزميات معينة يتم حلها فى عملية تسمى "التعدين".
كما قلنا فإن البتكوين و"blockchain" عبارة عن أرقام متسلسلة وشيفرات معقدة، ويحتاج الكمبيوتر إلى حل
العديد من المعادلات والخوارزميات لصنع هذة الارقام والشيفرات، ومع كل زيادة فى
أعداد البتكوين أو أعداد المشتركين على النظام،
يصبح النظام أعقد مما يؤدى إلى زيادة درجة صعوبة المعادلات والخوارزميات لضمان عدم
تكرار الأرقام المتسلسلة والشيفرات، مما جعل الشخص أو المجموعة التى تتدعى"ساتوشى ناكاموتو"
غير قادرة على القيام بعملية التعدين بمفردها مما جعل"ساتوشى ناكاموتو"
يصمم برنامج خاص للتعدين والسماح لأى شخص عادى بالدخول والمشاركة فى عملية التعدين،
عن طريق أن يترك الجهاز الخاص به مفتوحا للقيام بحل تلك المعادلات الصعبة وفى
المقابل يحصل ذلك الشخص على حصة من البتكوين،
ولكن بسسب صعوبة تلك المعادلات فإن الكمبيوتر العادى الواحد سوف يأخذ ألاف السنين
لإستخراج بتكوين كاملة، مما يجعل الربح من
عملية التعدين صعبا للغاية إلا أذا كنت تتمتلك العديد من أجهزة الكمبيوتر الضخمة
والسيرفرات العملاقة، وقد حدد "ساتوشى ناكاموتو" الحد الأقصى للبتكوين
وهو (21مليون بتكوين) وقد تم إستخراج وتعدين (4.5 مليون بتكوين) فقط
حتى الأن ومن المتوقع أن عملية التعدين سوف تنتهى ويتم إستخراج أخر بتكوين سنة "2145".
مميزات البتكوين و"blockchain":
· الأمان:
كما
ذكرنا سابقا فإن ال"blockchain" تمنع التحايل وعمليات النصب، وأيضا تحمى الهوية فكما قلنا إن العمليات
والصفقات تسجل بجميع تفاصيلها إلا هوية أطراف العملية والمعلومات الخاصة بهم مثل البلد
التى يقيمون بها كل هذا يبقى مجهولا، ولهذا جانبان، جانب سئ، وجانب جيد، الجانب الجيد هو أن
الأشخاص العادين يمكنهم القيام بجميع عملياتهم وهم فى أمان من أن يستطيع أحد
تعقبهم أو تعقب أموالهم وسرقتها، والجانب السئ أن تجار السلاح والممنوعات أصبحوا
يستخدمونها فيما بينهم لتبادل تلك الممنوعات لأن الشرطة كل ما سوف تستطيع معرفته
هو أن هناك صفقة ممنوعات تمت بحجم كذا بمبلغ كذا، ولن يكون فى أستطاعة رجال الشرطة
أن يعرفوا أين ومتى أو حتى الأطراف المشاركة فى هذه الصفقة.
· عدم وجود عمولة:
وهذا هو السبب الرئيسى لصناعة العملات الرقمية، لأنه إذا
أردت أن ترسل بعض المال إلى شخص أخر فى بلد أخر فإن هذه العملية تتم عن طريق وسيط
وهو البنك، سواء كان أحد البنوك العادية أو بنك إلكترونى مثل "pay pal"، وهذا الوسيط يأخذ عمولة على تلك العملية، وأيضا تأخذ تلك العملية
وقت طويل حتى تصل الأموال إلى الطرف الأخر، لكن فى العملات الرقمية يتم إرسال
المبلغ مباشرة دون الحاجة إلى وسيط ويتم أيضا بمنتهى السهولة والسرعة، فالوضع أشبه
بإرسال رسالة، ولهذا تم إختراع العملات الرقمية فى الأساس لتوفير المال والوقت.
· أنها لامركزية:
و الفرق
أيضا بين البتكوين والعملات الورقية هى أن العملات الورقية مركزية يتم التحكم فى طباعتها
عن طريق الدول والبنوك المركزية، ويرى البعض أن هذا شكل من أشكال الإحتكار للحكومة
مما يعطى قوة زائدة للحكومات خصوصا الفاسدة منها، أما البتكوين
فعملة لا مركزية ليس هناك بنك أو دولة أو أى جهة تتحكم فى إنتاجها، فكما قلنا هذه
عملة متاحة للجميع ويمكن لأى شخص المشاركة فى إنتاج هذه العملة، وهذا يجعل القطاع
الخاص يقوم بدعم العملات الرقمية لأن الشركات ترى أن هذه طريقة لتقليل تحكم
الحكومات والقطاع المالى فى الإقتصاد.
· محدودة:
وهذة
الميزة مهمة لأن الكمية المحدودة للبتكوين وهى(21مليون بتكوين) تجعل لها قيمة، مثل الذهب لأن الذهب أيضا
كمية محدودة ولا يمكننا إنتاج ذهب كما نريد، نفس الفكرة على البتكوين فلا يمكننا
إنتاج بتكوين كما نريد وإلى ما لا
نهاية وإنما هناك كمية محدودة وهذا ما يعطيها قيمة.
عيوب البتكوين:
البتكوين لديها مشكلتان رئيسيتان:
·
المشكلة الأولى وقد ذكرناها سابقا وهى أن
المجرمين يقومون بإستخدامها فى التعامل فيما بينهم بسبب إستحالة تتبعها.
·
المشكلة الثانية وهى "تقلب السعر"
حيث أن البتكوين سعرها يتغير بسرعة كبيرة، فمن
الممكن أن تكون فى يوم بعشرة ألاف دولار واليوم الأخر بخمسة ألاف لا يوجد إستقرار
فى السعر، وهذا نابع من كونها لا مركزية فعدم مركزيتها أدى إلا عدم وجود غطاء نقدى
لها(كل عملة ورقية يكون لها غظاء نقدى يتكون من سلة
من العملات الأجنبية ومجموعة من الأصول المتنوعة وعندما كان الدولار مربوطا بالذهب
كان الغطاء النقدى من الدولارات فقط لكن بعد إلغاء معيار الذهب أصبح الغطاء النقدى
متنوعا) مما يجعلها تتأثر بصورة كاملة بالعرض والطلب، وتقلبها هذا أصبح
حائلا دون إستخدامها كعملة للشراء لأنه لا يمكن أن تكون هناك عملة بهذا التقلب
السريع، لأنه غير مقبول أن يقوم شخص ما بشراء سلعة بواحد بتكوين
فى الوقت الذى تكون فيه البتكوين الواحدة تساوى ألف دولار ثم ينام ويستيقظ
ليجد أن سعر البتكوين الواحدة أصبح يساوى خمسة ألاف دولار، فبتالى قد تغير سعر السلعة مع أن قيمتها
الحقيقية فى السوق لم تتغير، لأنه من المنتقى أن سعر منتج ما يرتفع نتيجة زيادة
الطلب عليه وليس نتيجة زيادة سعر العملة التى تم تسعيره بها.
وبعد صدور البتكوين صدرت العديد من
العملات الرقمية الأخرى التى تحاول الحصول على حصة مما حصلت عليه البتكوين أو محاولة حل عيوبها، ومن أشهر تلك العملات
التى تحاول حل عيوب البتكوين هى العملة التى
أعلن عنها فيسبوك منذ عام تقريبا وتسمى "libra" وقد أعلن عنها فيسبوك لكن لم يتم تنزيلها بعد وكان من المخطط لها
النزول فى أوائل هذا العام.
هى عملة أعلن عنها فيسبوك بالإشتراك مع 27
شركة أخرى فى مؤسسة عملاقة سميت "مؤسسة الليبرا" وهذه المؤسسة تضدم
أسماء شركات كبيرة مثل "vodafon" و"paypal" و"uber" و"spotify" و"master card" و"visa" و"epay" وهذة
المؤسسة مقرها (جينيف بسويسرا)، وعملة الليبرا
كان من المخطط لها النزول فى أوائل هذه السنة لكن حتى الأن لم تصدر بعد بسبب
الأوضاع الحالية وبعض الإعتراضات التى تواجه العملة.
خصائص عملة الليبرا:
(من الممكن
أنكم قد لاحظتم أننى قمت بكتابة خصائص وليس مميزات وهذا لأننى بصدق لا أستطيع التحديد
أن كانت مميزات أم عيوب بسبب عدم إصدارها بعد.)
الليبرا عكس البتكوين فى نقطة الصناعة، فالبتكوين يتم صناعتها عن طريق عملية التعدين
ويمكن لأى شخص أن يقوم بصناعة بتكوين، أما الليبرا فيتم صناعتها و
إصدارها عن طريق مؤسسة ليبرا فقط، وإذا أردت شراء العملة(بعد
طرحها طبعا) فعليك الدخول إلى موقع فيسبوك أو أى موقع تابع له ثم تقوم بفتح
حساب ثم تقوم بتحويل المال إلى ذلك الحساب عن طريق "visa" أو"master card" أو "pay pal" وفورا يتم تحويل رصيدك إلى الليبرا ويظهر حجم رصيدك بالليبرا فورا على الشاشة وإذا أردت إرسال أموال إلى شخص ما أو
القيام بالدفع وشراء شيئ ما، كل ما عليك فعله هو أرسال المال عن طريق تطبيق "WhatsApp" أو "Messenger" كأنك ترسل رسالة عادية.
وعكس البتكوين
التى تستخدم تقنية"block chain" لتسجيل المعلومات على كافة الأجهزة الموجودة على النظام فإن ليبرا تستخدم أيضا نفس التقنية
لكن لتسجيل المعلومات على الأجهزة التابعة لمؤسسة ليبرا، يمكن أن يرى البعض أن هذا
ليس بنفس درجة الأمان والخصوصية التى لدى نظام البتكوين
لأن معلوماتهم أصبحت لدى جهه معينه، لكن هذا النظام يمنع المعاملات الغير قانونية
التى كانت تتم عن طريق العملات الرقمية الأخرى، لأن السجل المتواجد لدى الليبرا يكون لدية كل
المعلومات عن الصفقة بما فيها أطراف تلك الصفقة، فتقوم بالإبلاغ عن الصفقات الغير
قانونية.
وعكس كل الخصائص السابقة التى قد يعتبرها
البعض ميزة والبعض الأخر عيب لكن هذه بالذات ميزة لأن عملة الليبرا تمكنت من علاج
أكبر مشكلة فى العملات الرقمية وهى التقلب المستمر فى السعر، عن طريق ربط الليبرا
بغطاء نقدى مما جعل لها قيمة ثابته تتغير بمقدار بسيط، وهذا يجعلها قابلة لأن تصبح
عملة يمكن البيع والشراء بها.
وفى النهاية يرى البعض أن العملات الرقمية
مجرد موجه وسوف تنتهى، ويرى البعض الأخر أنها سوف تكون المستقبل المشرق للتعاملات
المالية، والبعض الأخر يرى أنها سوف تكون مستقبل مظلم من سيطرة الشركات على العالم
لذا يقومون بمحاربتها ومحاولة القضاء عليها، لذا أرجو منك أن تفكر جيدا قبل وضع
رأيك بصددها.
شكرا على القراءة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق